قصة نبي الله يوسف عليه السلام
نبي الله يوسف عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو ابن النبي يعقوب عليه السلام. وردت قصته في القرآن الكريم في سورة كاملة سُميت باسمه، وهي من أروع القصص التي تحمل دروسًا في الصبر، الإيمان، وحسن الظن بالله. تبدأ القصة بحلم رآه يوسف صغيرًا، مرورًا بالمكائد التي تعرّض لها، وسجنه، ثم انتهاءً برفعه إلى منصب عظيم في مصر ولمّ شمله بأسرته.
الرؤيا والبداية
كان يوسف عليه السلام أحبَّ أبناء يعقوب إلى قلبه، وكان له أحد عشر أخًا، بعضهم من أم أخرى. ذات ليلة، رأى يوسف في المنام رؤيا عظيمة، فقال لأبيه:
"يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" (يوسف: 4).
فهم نبي الله يعقوب أن هذا الحلم يحمل دلالة عظيمة، فأمر ابنه ألّا يخبر إخوته، حتى لا يحسدوه ويمكروا به.
كيد الإخوة وإلقاؤه في البئر
كان إخوة يوسف يحسدونه على حب أبيهم له، فتآمروا عليه واتفقوا على التخلص منه. جاءوا إلى أبيهم وطلبوا أن يأخذوا يوسف معهم ليلعب، وألحّوا حتى وافق. وحين ذهبوا به إلى البرية، ألقوه في بئر مظلم، ثم عادوا إلى أبيهم حاملين قميصه ملطخًا بدمٍ كاذب، وقالوا إن الذئب أكله.
لكن يعقوب عليه السلام لم يصدقهم، وأحس بأن في الأمر مكيدة، فحزن حزنًا شديدًا.
يوسف في بيت العزيز
مرّت قافلة بالقرب من البئر، فوجدوا يوسف وأخرجوه، ثم باعوه عبدًا في مصر لعزيزها، وهو وزير في قصر فرعون.
كبر يوسف في بيت العزيز، وكان جميل الخَلق والخُلق. أحبته امرأة العزيز وأرادت أن توقعه في الفاحشة، لكنه رفض قائلاً: "مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ" (يوسف: 23).
حاولت إغواءه، وعندما رفض، راودته بالقوة، فهرب منها، فمزّقت قميصه من الخلف. وعند الباب، وجدا زوجها العزيز، فاتهمت يوسف ظلمًا بأنه أراد الاعتداء عليها. لكن شهادة أحد أقاربها أكدت براءة يوسف، إذ قال: "إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (يوسف: 26-27).
ظهر صدق يوسف، لكن للحفاظ على سمعة العزيز، زُجّ به في السجن ظلمًا.
يوسف في السجن وتفسير الأحلام
في السجن، التقى يوسف بسجينين، فرأى كل واحد منهما حلمًا، وطلبا منه تفسيره. أخبر أحدهما بأنه سيخرج ويعود خادمًا للملك، والآخر بأنه سيُعدم. وطلب من الذي سينجو أن يذكره عند الملك، لكنه نسي، فمكث يوسف في السجن سنوات طويلة.
رؤيا الملك وخروج يوسف
رأى ملك مصر رؤيا عجيبة: سبع بقرات سمان تأكلهن سبع عجاف، وسبع سنابل خضر وأخرى يابسات. فطلب من مستشاريه تفسيرها، لكنهم عجزوا. حينها تذكر السجين الذي نجا يوسف، فأخبر الملك بقدرة يوسف على تأويل الأحلام.
عندما سُئل يوسف عن الحلم، فسّره بأن مصر ستشهد سبع سنوات من الرخاء، تليها سبع سنوات من الجفاف، واقترح تخزين الطعام في سنابله أثناء الرخاء ليستعينوا به في سنوات القحط.
أعجب الملك بذكاء يوسف، فأمر بإخراجه من السجن، لكنه رفض الخروج إلا بعد تبرئته. وبعد التحقيق، اعترفت امرأة العزيز بأنها ظلمته.
يوسف وزيرًا لمصر
بعد تبرئته، عرض عليه الملك منصب وزير المالية، فوافق، وقال:
"اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" (يوسف: 55).
خلال سنوات الرخاء، أدار يوسف الاقتصاد بحكمة، فادّخر الغلال استعدادًا للجفاف.
لقاء الإخوة وامتحانهم
عندما حلّ الجفاف، جاء إخوة يوسف إلى مصر يطلبون الطعام، ولم يعرفوه، لكنه عرفهم. طلب منهم إحضار أخيهم بنيامين، ثم وضع كأس الملك في رحله ليمتحنهم، واتهمه بالسرقة ليبقيه عنده.
عاد الإخوة إلى أبيهم يائسين، فحزن يعقوب حتى فقد بصره من شدة البكاء.
لقاء يوسف بأهله
عاد الإخوة إلى يوسف مرة أخرى، وكشف لهم عن هويته قائلًا:
"أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي" (يوسف: 90).
صُدم الإخوة وندموا على ما فعلوه. سامحهم يوسف وأرسل قميصه إلى أبيه، وبمجرد أن وضعه يعقوب على وجهه، عاد إليه بصره.
تحقق الرؤيا ولمّ الشمل
جاء يعقوب وأهل يوسف إلى مصر، واستقبلهم يوسف استقبالًا كريمًا، وأجلس أبويه على العرش، فسجدوا له احترامًا وتكريمًا، فتحققت رؤياه التي رآها في طفولته.
ثم قال:
"يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا" (يوسف: 100).
عاش يوسف وأهله في مصر في نعيم حتى توفي.
العبر المستفادة
قصة يوسف مليئة بالعبر، ومنها:
- الصبر والثبات: صبر يوسف على الظلم، وصبر يعقوب على فقدانه.
- الإيمان بحكمة الله: كل ما حدث ليوسف كان جزءًا من خطة الله الحكيمة.
- المغفرة والتسامح: رغم ما فعله إخوته به، سامحهم وعاملهم بالحسنى.
- إدارة الأزمات: أدار يوسف اقتصاد مصر بذكاء، فأنقذها من المجاعة.
الخاتمة
قصة يوسف عليه السلام نموذج للصبر، الحكمة، والعدل. تبدأ بمحنة وتنتهي بمنحة، تعلمنا أن الابتلاء قد يكون طريقًا إلى الخير إذا أحسنا الظن بالله.